recent
أخر الأخبار

تاريخ المقاومة والحركة الوطنية بالمغرب 1912-1956.

goubinews
الصفحة الرئيسية

 

تاريخ المقاومة والحركة الوطنية بالمغرب 1912-1956.


مسلك التــاريخ والحضـارة
السداسـي السادس



ذ: رشيد بنعــــــمر

 

السنة الجامعية: 2019/2020
  

المـــقدمة:

    

عاش المغرب الأقصى إبان القرن التاسع عشر، مجموعة من التحولات التي فرضها عليه الواقع السياسي أنداك، إذ وجد في مواجهة  المد الاستعماري الذي كان يداهمه من جميع الجهات، وقد ازداد تهديد الاستعمار لوحدة المغرب و سيادته باحتلال فرنسا للجزائر عام 1930 فاحتلالها كما يري العروي  لا يمثل قطيعة في حياة الجزائر فقط بل تأثر بأحداثه المغرب كله.

    لقد كان المغرب جزءا من المشروع الفرنسي الهادف إلى إنشاء إمبراطورية استعمارية فرنسية في شمال و غرب إفريقيا، لذلك حاولت تطويقه من جميع الجهات، فقد عزلته عن السودان الغربي من جهة الجنوب حيث تمكنت من احتلال تخوم  المغرب منذ نزولها بالسنغال في منتصف القرن التامن عشر. وامتدادها ببطء طيلة قرن و نصف نحو الشرق لتحتل مدينة " تمبكتو" سنة 1894.

    بعدها حاولت فرنسا تطويقه من جهة الشرق بالعنف في معركة " إيسلي"، لأن هذا العنف أرغمه إلى قبول اتفاقية الحدود" للالة مغنية "1845 التي ارتكزت عليها سياسة الحدود.

   ومنذ أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، دخل المغرب عشرية المخاطر جمعاء، حيث بلغ التدخل الفرنسي و تطويقه المغرب قمة أوجه، فقد حاولت فرنسا تطويقه من جهة الشرق باحتلال "توات" و "وجدة"، و كذا من جهة الغرب باحتلال بعض الموانئ الأطلسية "كالدار البيضاء"  و "منطقة الشاوية" لتضع "فاس" العاصمة بين فكي ملقط.

 

الفصل الأول: فرنسا وتطويق المغرب من جهة الشرق.

1-أهمية التوات في مشروع التوسيع الفرنسي

   حظي الجنوب الشرقي المغربي بأهمية خاصة في سياسة التوسع الفرنسي في شمال إفريقيا ،فالوضع الجغرافي المتميز للمنطقة بالنسبة للمسالك الرابطة بين شمال الصحراء و جنوبها ،فالمسلك المار بواد زوزفانة (جنوب فكيك و واد الساورة وواحات توات )يعتبر من أكثر المسالك سهولة لاجتياز الحاجز الرملي الضخم المعروف بالعرق الغربي الكبير .

   لقد كانت فرنسا في خمسينيات القرن التاسع عشر قد بدأت في الحديث عن تطوير العلاقات التجارية البرية بين الجزائر و غرب إفريقيا بل توحيد الجزائر مع مستعمرة السنغال .فاتخذ بذلك الحاكم العام راندون (1859-1851) الإجراءات لاجتذاب التجارة الصحراوية إلى مستعمرة الجزائر .وبما أن توات تعتبر بحق حلقة وصل بين المغرب و الجزائر و جنوب الصحراء .فقد جعلت من احتلالها أمرا ضروريا لاستكمال السيطرة على الشمال الإفريقي و الصحراء ووسط غرب إفريقيا .

2-معاهدة لالة مغنية ودورها في تسهيل التوغل الفرنسي :

    بعد انهزام المغرب في موقعة ايسلي ،وقع مع فرنسا معاهدة لالة مغنية (ماي 1845)التي رسمت الحدود بين البلدين ،فكانت بنودها غامضة أكثر من أية معاهدة أخرى .فقد اقتصر التحديد فيما بين البحر وثنية الساسي ،وتقع بضع كلمترات شمال شرق البلدة المغربية الحالية "عين بني مطهر" .

    أما جنوب تلك النقطة فلم تعين الاتفاقية إلا بعض القرى و القبائل بأنها مغربية أو جزائرية. فقد صرحت الاتفاقية بأن فكيك و إيش مغربيتان .و كذلك قبائل العمور التي كانت ترعى جزءا من السنة في منطقة عين الصفراء ، و عين الصفراء نفسها وست قرى أخرى في المنطقة المجاورة اعتبرت جزائرية .كما اتفق الطرفان المتعاهدان على حقهما في متابعة القبائل التابعة لسلطتهما في هذه" الأرض العازلة".

  فقد منحت هذه الاتفاقية فرنسا حق التدخل في المغرب الشرقي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بذريعة متابعة المتمردين مثل :"بني يزناسن" سنة 1859،"أولاد سيدي الشيخ" 1870-1864،"بو عمامة" 1881....

 3-احتلال توات (مراحله و مظاهره)

مراحل الاستكشاف:

    لقد كان من سياسة فرنسا التوسعية القيام بمجموعة من الدراسات الاستكشافية للمنطقة المستهدفة ،وقد كانت التوات و الجنوب الشرقي عامة من بين المناطق التي حظيت بدراسة مفصلة ،وقد كان المستكشف الألماني" جيرارد رولفس "أول من نشر تقريرا مفصلا عن جنوب شرق المغرب ،فقد زار تافيلالت و القنادسة و فكيك و التوات ،وقد أثارت رحلته اهتمام أوروبا ببلادنا لم تكن معروفة من قبل و ألقت الأضواء على أهلها. و في 1850 أقيم في الغرب الجزائري مركز" جريفيل" حيث كانت بعض بعثات الاستطلاع تذهب من "جريفيل" إلى نواحي فكيك لجمع المعلومات الجغرافية و العلمية .

  وبعد سنة 1878(نهاية الحرب الفرنسية –البروسية )بدأ الاهتمام الجدي و التوسع الاستعماري يظهر شيئا فشيئا بفضل عمل مجموعة من المتحمسين أساسا من بينهم الصحافيون ،المستكشفون و أعضاء الجمعية الجغرافية و برلمانيون في الجمعية العامة . إذ كان الهدف المنشود هو التعرف بدق على جغرافية المنطقة و سكانها و استقطاب أهالي الواحات و القبائل الرحل للخضوع تلقائيا للنفوذ الفرنسي .

الواجهة الدبلوماسية:

    حيث كان على الساسة الفرنسيين إقناع الدول الغربية المهتمة بالمسألة المغربية بضرورة الفصل بين هذه المسألة و قضية توات و الإثبات بذرائع مختلفة أن التوات تقع في الامتداد الطبيعي للجنوب الوهراني،و أنها لم تعد في القرن 19 تتبع أي سلطة . و بالفعل نجحت الدبلوماسية الفرنسية الفرنسية في مسعاها الذي كانت نتائجه الملموسة معاهدة 1890مع بريطانيا اعترفت فيها الأخيرة بوجود توات ضمن مجال النفوذ الفرنسي وفي 21 مارس 1899 استطاعت فرنسا أن تضغط على بريطانيا بفضل جبهة ثلاثية (فرنسا –اسبانيا –روسيا) وتتوصل معها إلى اتفاق حول نيل الأعلى و توات و هو الاتفاق الذي أكد و حدد بوضوح صيغة اتفاق 5 غشت 1890 الذي سبق أن ذكرناه

ج- التدخل العسكري:

    في الشهر الأخير من سنة 1899 حل الوقت المناسب الذي تكلم عنه وزير الخارجية الفرنسي "ريبو" من أجل احتلال توات ،عندما أصبحت بريطانيا في حرب بوير بجنوب إفريقيا 1899.أنذاك وافقت الحكومة الفرنسية  على العملية العسكرية على توات .و لم يضيع الجيش وقته حتى يجد مبررا ففي دجنبر 1899هوجمت بعثة جيولوجية فرنسية كانت تعمل قرب عين صالح من طرف الطوارق،فأسرعت بعثة عسكرية بقيادة القبطان "بين" الذي دخل أحد قصور عين صالح وهو القصر الكبير و بذلك كانت عين صالح التي تعتبر عاصمة القصور "تيدكلت"أول واحة تسقط خلال الهجوم الكاسح لاحتلال توات كلها .

    وفي شهر مارس 1900 توجه فيلقان عسكريان من الجيش الفرنسي اتجاه توات، الفيلق الأول توجه عبر الطريق الشرقي في اتجاه عين صالح لتدعيم الاستقرار الفرنسي بها نهائيا.و الثاني توجه نحو الطريق الغربي في اتجاه إيغلي و سيطر على المركز الجغرافي المهم الذي يلتقي فيه واد كير بواد الساورة .

    ويعتبر احتلال إيغلي ضروريا أكثر في الإستراتيجية الكبرى لأنه عمل على فصل توات عن الاتصال بالمغرب و تطويقها بصفة تامة ،ومنذ بداية شهر ماي من نفس العام توالت الحملات العسكرية الفرنسي على بقية الواحات حيث سقطت تيميمون في 17 ماي و بالتالي أصبح الفرنسيون يسيطرون على عين صالح وتيدكلت و إيغلي و تميمون و كورارة و بذلك أصبح المركز الأوسط من واحات توات في يدهم.

ظلت مدينة وجدة رمزا لصمود الدولة المغربية في وجه الضغوط الفرنسية المتوالية طيلة القرن التاسع عشر و تعتبر كذلك ثغرا من الثغور المواجهة لتحديات الأجانب فرغم موقعها على الحدود الجزائرية المغربية ورغم تواجد الفرنسيين على مسافة قريبة منها ،فقد ظل سكانها محافظين على استقلال بلادهم معارضين لكل تدخل فرنسي مهما كان شكله ،و كان عامل المدينة دائما هو الذي يجسم الروح الوطنية .وآخر عامل أظهر معارضته للأطماع التوسعية على حساب وجدة هو "أحمد بن كروم " الذي قدمت ضده شكاوى عديدة من طرف حكومة الجزائر العامة بزعامة جوني ،وقد كانت تلك الشكاوى من مبررات احتلال المدينة سنة 1907م.

دوافع احتلال وجدة سنة 1907م.

لقد عملت فرنسا منذ احتلالها للجزائر على خلق عدد من الأسباب التي بررت بها تدفق جيوشها على مدينة وجدة.

فمن أبزر تلك الأسباب: إذكاء النزاعات بين القبائل الشرقية و إثارة الاضطرابات الداخلية و تشجيع الحركات المناوءة للمخزن ،بهدف خلق حالة من الفوضى على طول لحدود الشرقية ،ومن ذلك على سبيل المثال حركة الجلالي الزرهوني (بوحمارة)،وما ترتب عنها من انعكاسات خطيرة على المغرب عموما ،و على المناطق الشرقية خصوصا.

ويلخص "بلحسن الحجوي "الوضعية جيدا حيث يقول :"إن حالة العسكر تعسة ، وفي بعض الأيام لما كلفت بالتفتيش وجدت عددا من المرضى في حالة مزرية و الجوع يأكل أمعاءهم ولا خير لهم إنما هم ملقون على قارعة الطريق "

 ومن الناحية الاقتصادية عملت فرنسا على فرض تبعية التجارية و نقدية شبه تامة على المنطقة الشرقية، أدت إلى إضعافها و وإنهاك قواها كمرحلة أولى نحو إحكام القبضة بشكل نهائي عليها .حيث بدأت السلطات الفرنسية بتزويد مدينة وجدة و ناحيتها المعزولة عن البلاد بجميع ما تحتاج إليه من مواد استهلاكية أساسية عن طريق مدينة وهران ،مقابل تزويد الغرب الجزائري  بمنتجات المغرب الشرقي الفلاحية من حبوب و أغنام .

ثم في مرحلة ثانية ،و ابتداءا من غشت 1906م،قررت الأوساط الاستعمارية ضرب حصار العسكر واقتصادي شديد على وجدة و نواحيها ، قصد إيقاف المبادلات التجارية بين المدينة و الغرب الجزائري من أجل تجويع السكان و إرغامهم على الرضوخ لمطامعها .مستغلة كما أشرنا الوضع المزري الذي خلفه حصار بوحمارة .

بالإضافة إلى هذا ، فقد حدث ارتفاع مهول في الأسعار، نتيجة قلة البضائع من جهة و القضاء على العملة المحلية الريال ، الذي حل محله الفرنك الفرنسي .

ويصف الحجوي انهيار العملة المحلية قائلا:صار الريال يساوي ثلاث أرباع الريال فضة ...وما انتهى شهر حتى صار الريال بنصف ريال فضة... ثم صار لا يساوي شيئا"...


تحميل الدرس كاملاً:





google-playkhamsatmostaqltradent