أحمد المنصور الذهبي1578-1603 م
يعد احمد المنصور الذهبي من اعظم ملوك المغرب نظرا للأعمال الجليلة التي تمت على يده في المبدان العسكري والسياسي والثقافي والاقتصادي. وقد خلّد المنصور ذكره بالبناء وتشييد القصور البديعة التي تدل دلالة قاطعة على تقدم المغرب ماديا وادبيا في عهده الزاهر.
نبذة من حياة المنصور
يعتبر أبو العباس احمد المنصور الملقب بالذهبي أعظم ملوك السعديين على الاطلاق، كما يعد من أكبر ملوك المغرب. كان احمد المنصور ثاقب الذهن واسع الفكر، لا يستبد
ابدا برأيه،
بل كان يطلع على أحوال الرعية بنفسه، ويسمع الشكاوي، فلا يلبث فيها الا بمساعدة ذوي الفضل من
العلماء.
أعماله العسكرية
يعد غزو السودان في طليعة الاعمال العسكرية التي انجزها احمد المنصور
كان يوجد ببلاد السودان في ذلك العهد مناجم ملح غنية جدا؛ وكانت تلك المناجم مصدرا هاما
لميزانية المملكة السودانية؛ فقرر المنصور الاستلاء عليها حتى يستعين بمواردها
الضخمة على إتمام المشاريع التي شرع في تحقيقها بالمغرب.
وما أن أرسل جنوده الى السودان حتى عادت اليه ظافرة محملة بالكنوز من الذهب
ومعها عدد كبير من العبيد. وقد مكنت هذه الحملة احمد المنصور من كسب مالية عريضة
استحق من اجلها ان يلقب بالذهبي، كما كانت سببا في نشر الديانة الإسلامية بالسودان
بصورة واسعة النطاق. لذلك يعتبر غزو السودان في طليعة الاعمال العسكرية لتي أفادت المغرب لا من الناحة المادية فحسب بل من الناحة
المعنوية اضا.
التنظيم الإداري في أيام المنصور:
ان أول محاولة ترمي الى تنظيم الدولة المغربية تنظيما إداريا على نحو ما كانت
عليه قبيل الاستقلال يرجع فيه الفضل الى ابي العباس احمد المنصور؛ ومعنى ذلك ان القبائل في عهده كانت تخضع كلها
للمخزن السعدي وتؤدي له الضرائب؛ وكان الجيش منظم على نمط الجيش
التركي، يتألف من العبيد الذين استوردهم المنصور من السودان وكذلك من البربر والأتراك. أما
حامية الدولة فكانت ترابط بمراكش وهي قاعدة الملك في ذلك العهد.
العالقات المغربية مع الخارج في أيام السعديين
ازدهرت العلاقات بين المغرب والدول الأوربية في أيام احمد المنصور
وكانت نوعين:
سياسية وتجارية ترمي غالبا الى اطلاق
سارح الاسرى الأوربيين الذين وقعوا في قبضة القراصنة السلويين. واستفادة المغرب كذلك
من تلك الحركة التجارية مع الخارج؛ فكان يصدر القمح والجلود والسكر والنحاس
والحديد والعنبر، كما كان يجلب من الدول الأجنبية أنواع السلع كالأقمشة على اختلافها
والأسلحة ومواد البناء. وغني عن البيان أن المغرب جني من ذلك خيراً عميماً يتلخص
في تعدد العمارات وتكاثر السكان في عهد المنصور.
قصر البيع
واستغل احمد المنصور هذه الحالة
الباعثة على الاطمئنان، فانصرف يخلد ذكره في الأرض بالبناء والتشييد، فبنى بمراكش
قصار من ابدع الآثار السعدية سماه بالبديع، وجلب له المرمر من إيطاليا؛ فكان حقا
بديعا في شكله، عجيبا في صنعه؛ والواقع أن رقة الفن المعماري السعدي كانت متجلية
في ذلك القصر الجميل البديع كما تتجلى في القبور التي اعدها السعديون لحفظ رفات
ملو كهم بمراكش.
خلفاء المنصور
ولم يكد أبو العباس المنصور يجيب داعي
ربه حتى أشعلت نار الفتنة بسبب تنازع أبنائه على الملك، وطمع في السعديين حتى
خصومهم بالأمس وهم الاسبان والبرتغال. اذ ذاك ظهرت في البلاد حركة دينية أخرى تشبه
الحركة القومية التي انتشرت بالمغرب في أيام بني وطاس، مصدرها زاوية الدلائيية
التي كان مركزها في جبال الأطلس المتوسط. وبالفعل لم تظهر تلك الحركة المباركة حتى جعلت قوة السعديين تضعف بقدر
ما كانت. شوكة الدلائيين تزداد وتقوى؛ وتمكن الدلائيون من الاستلاء على مدينتي فاس ومكناس تحت قيادة
أحد اشياخهم
سيدي محمد الحاج؛ ومن ثم فتحت لهم مدينة سلا أبوابها؛ ثم لم يلبثوا ان بسطوا نفوذهم
على ناحية المغرب الشمالي كله. أما في الجنوب فلم يكن حظ خلفاء المنصور بأوفر منه في اشمال. فهذه بلاد سوس أصبحت
تابعة لبعض أولياء الله الصالحين. وهذه تافلالت أضحت خاضعة لتلك الأسرة العلوية التي صار امرها يعلو بالتدريج
بين سكان
تلك الثغور نظرا لما جبلت عليه من خير وتفان في سبيل المصلحة المرسلة
وهكذا كان قيام الزاوية الدلائية على خلفاء
المنصور وظهور العلويين بالثغر الفيلالي ضربتين قاسيتين على دولة السعديين وانذارا بقرب نهايتهم.